يتجاوز فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو ميزانيته المتواضعة ليقدم تجربة عاطفية غنية وصورة بصرية حقيقية لحياة في القاهرة نادراً ما نراها. تتجلى رؤية خالد منصور الإخراجية بوضوحٍ عاطفي عميق، لتكشف عن الصراعات المعقدة لشخصياته وعن تعقيدات المدينة التي يعيشون فيها.
في جوهره، يحكي الفيلم قصة حسن، الذي تصبح علاقته بكلبه رامبو ملاذاً له ومصدراً للصراع في آنٍ واحد. وعندما يتسبب حادث مؤسف في تصعيد المواجهة بين رامبو وكارم، مالك العقار، ترتفع المخاطر. وتحت ضغط مجتمع لا يرحم للتخلي عن كلبه، يرفض حسن ذلك. وفي محاولة يائسة لحماية رامبو، يتعين عليه التنقل في مدينة قاسية بقدر ما هي نابضة بالحياة. إنها حكاية عن الولاء والصمود والحاجة البشرية للتواصل في بيئة غالباً ما تتحدى هذا التواصل.
غالباً ما تكون الحيوانات في السينما المصرية رموزاً أو تلعب أدواراً ثانوية كأدوات تخدم الشخصيات البشرية أو الحبكة. ولكن البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو يكسر هذه القاعدة، حيث يرفع رامبو إلى دورٍ رئيسي ويعامله كشخصية مكتملة الأبعاد. بالنسبة للكثيرين من الجمهور المصري، يمثل هذا تجربة جديدة ومؤثرة.
اختيار الفيلم لمواقع تصوير حقيقية ومجردة، يشبه أعمال محمد خان وخيري بشارة، يرسخ القصة في قاهرة ملموسة وواقعية. تُصبح المدينة شخصية بحد ذاتها، بأصواتها المحيطة التي تنسجم بسلاسة مع السرد. يعزز التصوير السينمائي هذا الإحساس بالواقعية من خلال موازنة الفن بالاعتدال. وتظهر أضواء النيون الخضراء المتكررة وهي تقطع ظلام القاهرة، لتخلق جواً كئيباً ولكنه غامر. هذه الأضواء ليست مجرد عنصر بصري، بل رمز للأمل العابر وسط قسوة عالم حسن ورامبو.
لقطات الكاميرا الثابتة التي تتابع حسن ورامبو عبر أحياء القاهرة تُقرب الجمهور من رحلتهم، مما يعزز ارتباطنا بعالمهم. ومع ذلك، قد يبدو التركيز على قبح المدينة مبالغاً فيه أحياناً، حيث يترك مساحة ضئيلة للجماليات الموزونة التي كان من الممكن أن تضفي توازناً على النبرة.
يقدم عصام عمر أداءً مميزاً بدور حسن، حيث يوازن بين الكبح والتعبير. يجسد تمثيله خوف حسن العميق من الهجر، المستمد من ألم ترك والده له. هذا الجرح العاطفي يوجه كل جوانب شخصية حسن، ويدفعه إلى حماية رامبو بشكل لا يلين. بالنسبة لحسن، رامبو ليس مجرد كلب، بل هو وعد لنفسه بكسر دائرة الهجر التي شكلت طفولته.
أداء سما إبراهيم بدور والدة حسن يضيف دفئاً وعمقاً للشخصية، ويجعلها تبدو طبيعية بشكل استثنائي. أحمد بهاء يفاجئنا بأداء واقعي ومؤثر، تاركاً انطباعاً قوياً رغم وقت الشاشة المحدود. أما ركين سعد فتبرز في دور أسماء بفضل أدائها البسيط، حيث تكشف عن عالمها الداخلي من خلال ردود فعل دقيقة وحركات صغيرة. قدرتها على التعبير عن الضعف والقوة والتردد تجعل أسماء شخصية لا تُنسى.
من مظاهر احترافية صناع الفيلم هو تقديم خلفيات للشخصيات دون اللجوء إلى السرد الثقيل. على سبيل المثال، تُنقل أصول أسماء من الإسكندرية بشكل ضمني من خلال تغييرات في لهجتها ونطقها، مما يضيف أصالة لشخصيتها دون تفسيرات مفرطة.
يضيف استخدام خالد منصور للرمزية طبقات من المعنى عبر الفيلم. لحظة مميزة تظهر عندما يزيل حسن بطاقة أمان ملطخة بالدماء، مع وجود لافتة مكتوب عليها “المعز المذل” فوقه – استعارة بصرية لنضاله من أجل البقاء..
تتألق واقعية الفيلم في تصويره للتنوع الاجتماعي والاقتصادي في مصر. وبدلاً من اللجوء إلى الصور النمطية المبتذلة، يغمرنا الفيلم في عالم غني بالتفاصيل حيث تُصور نضالات الطبقة العاملة بعمق واحترام. هذا النهج الواقعي يُثري القصة، مما يجعلها عالمية وقوية الجذور في السياق المصري.
البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو أكثر من مجرد فيلم؛ إنه تجربة تبقى في الذاكرة. يلتقط روح المدينة والصمود الهادئ لأهلها بصدق لا هوادة فيه. استكشافه للروابط الإنسانية – سواء بين رجل وكلبه أو عائلة تكافح من أجل البقاء – يترك أثراً عميقاً. هذا الفيلم شهادة على ما يمكن أن تحققه السينما المصرية عندما يلتقي الشغف بالدقة، ويدعو الجمهور إلى الشعور والتفكير وحمل أصداءه طويلاً بعد انتهاء العرض على انغام و صوت محمد منير.
التقييم: 9/10 ★★★★★★★★★✩