Search
Close this search box.

يُعد فيلم أرزِه للمخرجة ميرا شعيب إنجازًا سينمائيًا متألقًا في بساطته، إذ يمزج بين الفكاهة والعاطفة لتناول تعقيدات المجتمع اللبناني العميقة. يبدأ الفيلم كمهمة بسيطة لاستعادة دراجة مسروقة، لكنه يتحول تدريجيًا إلى حكاية عميقة عن الهوية والانقسام والصمود، ما يجعله جوهرة نادرة في سينما العالم العربي الحديثة.

في جوهره، يستخدم أرزِه بنية المجتمع اللبناني كلوحة خفيفة لعرض قضية الطائفية، دون أن يُثقل كاهل المُشاهد. ينجح الفيلم في تصوير كيف يلقي كل مجتمع اللوم على الآخر، مما يعكس التحيزات المتجذرة، بأسلوب فكاهي يجعل الموضوع أكثر قربًا وقبولًا للجمهور.

تتميز الحبكة بذكاء شديد، حيث يُشكل “متجر الهدايا” نقطة انطلاق الرحلة، ويربط بين مراحل القصة بشكل متماسك. تتصاعد الأحداث بإتقان، خاصة في مشاهد مثل سرقة الأقراط، التي تظهر توقيتًا دقيقًا يعكس براعة السرد. تنطلق المهمة من الحاجة لاستعادة وسيلة رزق أساسية، لكنها تتحول إلى مواجهة “أرزِه” لأجزاء من حياتها كانت تهرب منها.

على الصعيد البصري، يتألق الفيلم باستخدامه اللقطات القريبة التي تكشف الحالة النفسية للشخصيات، واللقطات المتوسطة التي تعكس ديناميكياتهم الاجتماعية والثقافية. يسخر الفيلم من تفاصيل ثقافية صغيرة لكن دالة، مثل اختلاف تسمية الدراجة بين الطوائف، وما تحمله من رمزية للتنوع والانقسام.

تُعد الفطائر في أرزِه عبقرية بحد ذاتها؛ فهي ليست فقط عملة للتبادل، بل رمز للاتصال البشري. كذلك تعكس عناصر الديكور، مثل المروحة والهاتف القديم، شعورًا بالزمنية العالقة نتيجة للظروف الاقتصادية أو الجمود الثقافي.

ويُعد الفيلم أيضًا استثناءً نادرًا في السينما العربية كونه فيلمًا “إيجابيًا”. بعيدًا عن الحكايات المعتادة عن الغنى المفاجئ أو النجاحات الخارقة، يحتفي الفيلم بالانتصارات الصغيرة للحياة اليومية التي تجعلها أكثر احتمالاً دون تغيير جذري.

أما النهاية، رغم توقعها، فقد نُفذت برشاقة فائقة. تُشعرك النهاية بأنها مستحقة—مرضية لكنها غير مبتذلة. وبهذا، تُثبت شعيب أن النهاية المتوقعة يمكن أن تترك أثرًا عميقًا عندما يتم تقديمها بذكاء وحرفية.

تضيف الواقعية في اختيار الممثلين من نفس المجتمعات التي يمثلونها طبقة إضافية من المصداقية، مما يعمق الطابع الكوميدي للفيلم. كما أن الإشارة الذكية إلى فيلم سارقالدراجة تعزز من الطابع العالمي للقصة، مع إبقائها متجذرة في سياقها المحلي.

في النهاية، أرزِه هو استكشاف جريء وحساس للطائفية والصمود والفكاهة. إنه تذكير بأن حتى في خضم الانقسامات، تظل الضحكة والإنسانية هي القاسم المشترك بين الجميع. هذا الفيلم ليس فقط “جريئًا”، كما قد يصفه البعض، بل مليء بالقلب والذكاء والحكمة.

التقييم: ★★★★☆ ٨/١٠

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *